كانت هنالك تعبئة جماهيرية كبيرة...
والحماس على اشدّه
القيت بعض الكلمات التي يتطلبها الموقف ودعت خاصة الى الانضباط لتكون المظاهرة سلمية وجماهيرية ...وشعبية
وانطلقت الجماهير الطلابية من وسط المركب الجامعي في اتجاه منطقة الجبل الاحمر للالتحام بالجماهير الشعبية اولا وتجنب المواجهة المباشرة السريعة مع البوليس ثانيا ...
لان الغاية الرئبسية كانت الوصول الى وسط العاصمة والمشاركة الفعلية في الاحتجاج الشعبي على الرفع في اسعار المواد الاساسية...
مررنا من منطقة الجبل الاحمر بسلام وسط الزغاريد والهتافات ثم منطقة العمران...
وحين وصلنا الى باب العسل وهو فعليا بداية الدخول الى عمق العاصمة حيث كنا على مشارف قوس باب الخضراء وجدنا قوى كبيرة من البوليس متمركزة لمنعنا من المرور...
وبعد مشاورات قصيرة بين قيادات المظاهرة تقرر المواصلة مهما كانت الظروف وحتى اذا تشتتنا يكون اللقاء بمحطة باب الخضراء او ساحة الباساج اي في عمق مدينة تونس العاصمة وكانت تلك هي الغاية....
وبدأ القمع الوحشي ... وكنا تقريبا في العاشرة صباحا...
وفجاة دوّى الرصاص وسقط اول شهيد برصاص الغدر انه الصديق فتحي فلاح الطالب بمعهد العلوم الفلاحية والزميل بالمعهد الثانوي بقابس...
كانت الصدمة كبيرة ولكن العزيمة كانت اكبر فقررنا التفرق بسرعة واعادة التجمع من وراء البوليس والمهم الوصول الى قلب العاصمة...
بعد ذلك تواترت الاحداث بصفة سريعة للغاية ومن مواجهة الى مواجهة كنا نلتقي ونفترق نلتقي ونفترق....
وحوالي منتصف النهار كان شارع باريس انطلاقا من الباساج وجزء كبير من نهج روما في يد المتظاهرين وكنا نتقدم بصعوبة ونحاول تشتيت قواة القمع البوليسي داخل الانهج والازقة...
كان الاصرار كبير للوصول الى شارع بورقيبة من طرف المتظاهرين وكانت وحشية البوليس تفوق الخبال لمنع ذلك ودارت مواجهات عنيفة للغاية على مستوى تخوم الشارع الرئيسي وكان اقصى ما وصلت اليه من تقدم رفقة بعض الاصدقاء والشباب هو زاوية فندق " تونس الدولي" على مستوى نافورة الماء التي كانت هنالك...
كانت حالة من الرعب كبيرة سائدة اذ لم تكن لنا اي فكرة عن ما بعد الوصول لشارع بورقيبة لقلة عددنا من ناحية وكثافة الطلق الناري تجاهنا من فوق الاسطح من ناحية اخرى ...
كان القنص من كل مكان لمنع المرور وكان اصرارنا على المرور خرافي في انتظار وصول افواج اخرى من الشباب....
كأنّ الشعار كان المرور الى الشارع الكبير او الموت ونحن كنا على بعد امتار قليلة من الهدف....
وفجاة جاء الموت من جديد اصيب شابان وسقط احدهما شهيدا ... انه الفاضل ساسي الرمز الابرز لشهداء انتفاضة الخبز 3 جانفي 1984
ربما ضاعت مني بعض التفاصيل بعد 29 سنة لكنها كانت حوالي الساعة الواحدة ظهرا او بعدها بقليل...
وتواصلت المواجهات واختلطت مع بعض مظاهر النهب والتكسير ولم يعد للشباب سيطرة على الوضع ...
كانت حالة من التمرد حقيقية ...
كانت حالة شبيهة بالعصيان لان الامن فقد السيطرة على الشارع ما عدى شارع بورقيبة ربما لرمزية ما ...
لذلك في الظهر نزل الجيش الى الشارع واعلنت حالة الطوارئ ..
.وكانت فصول اخرى في كيفية الانسحاب الشاق للغاية من تلك المجزرة المعلنة ولكن الحيرة الاكبر كانت في السؤال عن الاصدقاء والشباب وعن حالات الاصابة والاعتقال والاختناق وغيرها...
هذه فصول صغيرة لملاحم شعبنا الكبيرة عبر تاريخه المشرق ارويها كشاهد وفاعل واتذكر فيها شهداء انتفاضة الخبز...
انتفاضة الخبز الشقيقة الكبرى لثورة الحرية والكرامة...
فكل عام والوطن بخير والمجد لشهدائه ولدمائهم الزكية
فمهما اختلفت افكارهم ومشاربهم فهي تونسية.
ابوشادي
3 جانفي 2013